نائـــــح الطلــــح
 
الجمعة، ٢٣ فبراير ٢٠٠٧
جريمة في الحي الشرقي


" هذا جناه أبي علي و ما جنيته على أحد "

كتبت هذه المقولة على قبر ( أبي العلاء المعري ) بعد أن ظل حياته كلها دوون أن يولد له ولداً أو بنتاً ظنا منه أنهما سيكابدان ما كابده في حياتة . فكانت جناية أبيه عليه أن أنجبه و لم يجن هو على أحد
هكذا قال أبو العلاء
و هكذا قال صاحبنا و هو يتحدث عن إبنته

كان يجلس إلي و يحدثني ليخفف على نفسة من هموم الدنيا و ضيقها ، و ذات مرة أطرق واجما دون أن يتكلم أو أن ينطق ألبتّه ثم هم ليقوم و قال : هذا جنيته عليها ، فلا تجنه على أحد
قلت : على رسلك يا رجل من هي تلك و ما جنيت و على من ؟؟
عندما ذكر تلك المقولة كان يقيني أنها ليست زوجته أو أحدى محارمه فقد علم عنه أنه رجل بشوش عطوف حنون لا يسعده في الدنيا إلا سعادة أولاده ، بل أن الدنيا كلها لا تساوي بسمة على وجه أحدهم

قال : أتعرف على من جنيت ؟؟ لقد جنيت على ابنتي
قلت : و كيف ؟
قال : منذ أن دفعت بتلك الفتاة إلي المدرسة و غرست في وجداني أنها لن تكون إنسانة بحق إلا إذا تعلمت علما صحيحا و أن تتفوق في دراستها و لا ترضى بأن تكون أقل من قريناتها أو حتى أقرانها
فالعلم و التميز سبيلها لتحقيق ذاتها


قال : كنت أغذي فيها ذلك الشعور .. كما تحقن الثمار الصغيرة (( بالهرمونات )) فتكبر و تنضج أسرع من وقت طبيعتها ، و لكنها لو تركت لطبيعتها لكان نضجها أتم و اشفى ،، و ما هي بعد الحقن إلا صورة جميلة و قيمة خاوية .
قال : كان لي ما أردت فيها .. حتى إذا بلغت سن الجامعة و إلتحقت بإحدى الجامعات و قد كانت تعرف من الدين طريقة الإحتشام و الصلاة فلم يكن لها من دينها سوى إحتشامها و صلاتها .. و كلاهما فيه معان ظاهرة و أخرى باطنة ..
فالصلاة في ركوعها و سجودها معان باطنة و ليس القيام و الركوع و السجود دونها بشئ يذكر فتكون مجرد حركات .. و كذلك الإحتشام إن لم يحقق في المرأة معان باطنة فتعلم أن إحتشامها هو جزء من سلوكها العام و أنه لا بد أن يحقق المعان القلبية فيها قبل الظاهرية


إهتمت الفتاة بعلمها أيما إهتمام و حققت فيه أعلى الدرجات و المناصب و بعد ذلك إلتحقت بإحدى الدوائر الحكومية و صارت بعد ذلك تنفق على نفسها بل و تساعد إخوانها .
كل هذا جعل غرور المرأة فيها يصل إلي ذروتة و إختلت موازينها و أضمحلت أنوثتها فيها .. فهي تكابد الحياة كما يفعل الرجال .. و إستطاعت أن تحقق مالم يفعلى الكثير منهم .. فأخذت تتناسى طبيعتها و بأنها أنثى أودع الله فيها منبع الأمومة و الحنان و أن زوجها و أولادها و بيتها هم العاية الأسمى لها في الحياة .. فصارت في نظرها الأمومة منقصة لها .. و عنوستها نموذجا يحتذى به لمثيلاتها
قال : لقد أخطئت حين لم أوازي بين تعليم الفتاة و بين أن أرسخ معان الدين في نفسها .. و تركتها لمجتمع يستورد كل ثقافته من الغرب و يرضعها للنشئ فتختلط بدمه و عروقة
لم أدرك و قتها أني كنت أزرع في إبنتي رجلا يفكر بعقل الرجال .. حتى أنه إذا نظر في مرآته – أي مرآتها – ووجد ظاهره الأنثوي .. إحتجب ليداري (( عار )) ظاهره أو تعرى ليثبت أن ظاهره هو باطنه
لقد تجاوز عمر إبنتي الثلاثين .. و كلما جاء أحدٌ لخطبتها إستجابت لنداء عقلها (( الرجل )) و قالت أتريدونني أن أتزوج و أن ألقي بعلمي و أدبي كالحطب للنار تأكله .. أنا لست بحاجة لرجل في حياتي يكبل جهدي و عقلي و يقعد همتي ، و ليس منكم من يتحمل نفقتي ، و لست بحاجة إلي أن يتحملها أحد ، أما الأمومة فلم تعد تصلح لي ، و لن أتفرغ لتربية طفل واحد ، و لم يبقى من الأمومة في داخلي إلا هذا الرحم الذي بين أحشائي
قلت : أترى أن رفض إبنتك للزواج جريمة إتركبتها أنت في حقها ؟؟ ألم ترى أن المجتمع قد كدر صفاؤه و أملولح عذبه ، و قد إستعصى الزواج على الكثيرين و الكثيرات ، و ليس لما وقع في أنفسهم من غرور ابنتك أو من فقدان الفهم الصحيح لمعان الزواج ، لكن لفقرهم و فاقتهم ؟؟

فأخرج صاحبنا من جيبه منديلا و مسح دموعه و قال : ويل للمجتمع من عذراء بائرة خيالية تريد أن تفر من انها انثى !! لقد إمتلأت الأرض من هذه القنابل ، ولكن ما من امرأتة تفرط في فضيلتها إلا و هي ذنب رجل لم يفهم واجبه .. فالبيت الذي أنا ربانه و قائده هو المجتمع الأول الذي تخرج منه الفتاه إلي المجتمع الأكبر .. و عندما قصر فهمي لواجبي .. تمت جريمتي

و سيأتيك خبرها


- تتمة الخبر -
ذهب الناس مذاهب شتى فيما رويت من قصة ذلك الرجل وابنته فمنهم من ألقى باللائمه عليه وحده ومنهم من عذل الفتاه ومنهم من عذرها وللجريمه وقع في نفوس البشر فالجاني في نظر بعضهم بريء برائة الذئب من دم ابن يعقوب ويرى أنه ما كان ليجني لولا ظروف رديئه إضطرته لذلك ، ومنهم من يرى أن المجني عليه هو من جنى على نفسه فلولا ضعفه واستهانته لتمكن من دفع الضر عن نفسه.وما من جريمة تقع بين الناس إلا ويكون فيها هذا التخبط في أرائهم وأحكامهم على طرفيها وحال الجريمه في نفوس الناس كحال الذرة التي لا تستقر حتى يكتمل مدارها الخارجي فهي أنشط مايكون في حالتها المفرده حتى تبلغ ذرة أخرى فتأخذ منها أو تعطيها فلا تكون كما كانت وتتغير طبيعتها ، وهكذا الجريمه تبدأ في النفس البشريه صغيرة نشيطه تبحث في النفوس الأخرى على ما يكمل هيأتها ويتم تفاعلها ، وهي في ذلك تستعين بعوامل أخرى أوجدها التغير في المجتمع وتلك العوامل يستعين بها ما يضر المجتمع وما ينفعه ، حتى إذا تمت هذه الجريمه ظهرت في تركيبتها المعروفه (جان ومجني عليه).
فنحن نحكم على تلك الصوره دون النظر إلى عناصر المجتمع وكيميائيتها المعقده وتفاعل تم في ثنايا المجتمع ونفوس البشر وما الجاني والمجني عليه إلا جان وجان ومجني عليه ومجني عليه .




ونعود إلى خبر الفتاه

كما ذكرنا أن تلك الفتاة وضعت في قالب رجولي غير حياتها وأمالها وطموحاتها كمرأة ، واختلطت أنوثتها برجولة هذا القالب حتى إمتزجت به ، ولكن حتى الإمتزاج التام تنفصل مكوناته في لحظة ما ، يعود فيها الماء عذب فرات بعيد عن الملح الأجاج ، فلا بد من لحظة تركن فيها هذه الفتاه لطبيعة ما خلقت عليه فما هي هذه اللحظه ؟ قال أبوها :إنشغلت بجلد ذاتي لما حل بابنتي و أذعنت لهذا الواقع المرير ، فما بنيته بيدي في أعوام صار من الصعب هدمه أو ترميمه فتركت إبنتي تتمادى في صنيعها ، تخرج وقتما تشاء وتعود وقتما تشاء بحسب ما تتطلبه ظروف عملها وطبيعته .قال : يالجهلي كيف نسيت هذا ؟ لقد نسيت أن المرأه مهما تغيرت أفكارها وإهتماماتها وأسلوبها يبقى فيها ما يجعلها إذا مرت على الناس أن يقولوا قد مرت بنا إمرأه ، لقد رزق الله إبنتي هذه مسحة من الجمال فهي لم تكن كاسدة في أعين الرجال فهي لم تزل بجمالها جاذبة لأعينهم ولا سبيل لجمالها إلا إختلاس النظر إليه لأنها في غنى عن طالبيها .وما الجمال في الزهر وعبقه إلا نداء صاخب صريح لمن سيقطفه فجماله قد يكلفه نهايته !وما الجمال في المرأة إلا فتنة إن لم تتحكم فيها إنسانيتها وقعت هذه الفتنه تحت حكم غريزتها ، وما الجمال وقتها إلا نقمة عليها و على المجتمع من حولها .وهذا ما حدث ......... ! في فترة ما لاحظت في عين الفتاه نوع من الخجل المبهم ، فأنا لم أعتد منها على ذلك ، فمنذ كبرت لم أرى في عينيها سوى نظرة العجب بالنفس والتحدي فنظراتها تقول للدنيا أتحداكي ..... أتحداكي
أما في ذلك الوقت كان الخوف والضعف والخجل ملأ عينيها ، وإذا جن الليل تعلق ناظريها بالقمر
وكأنها تناجيه وتقول : ياأيها القمر لا تبرحني وابقى بليلك ترخي سدوله وستره علي !!! إرتبت على ما جد من أوضاعها ، وكان في داخلي يقين أن ما إستجد على أحوالها إنما هو بقية جريمتي وجنايتي عليهاكنت أخشى أن أسألها عن أحوالها خشيت التلميذ الذي يسأل عن نتيجة إمتحان ما جاوب فيه قط ..فهو يعلم النتيجة ويخشاها أيضا .قال : إستجمعت جرأتي وقوتي وأذعنت بحتمية النتيجه فألححت بالسؤال عليها وقلبي يدعو أن يخيب يقيني وبعد بكاء مرير مزق أحشائي قالت : تعلم ياأبتي أني لطالما إحتقرت أمر الرجال وكنت أبصر فيهم بسمو نفسي المزيف وغرورها الحقيقي أنهم لا طائل منهم وأن الرجل سيكون في حياتي كعصى يمسك بها الصحيح فهو لا يمسكها إلا للوجاهه لا لأن يتوكأ عليها فلا ضير إن ألقاها .وبعد تقدمي في السن وقد تجاوز عمري الثلاثين عاما خشيت على نفسي من بعدكم خشيت أن يقعدني مرض أو أن تصيبني صائبه ، وذات مره أمام مرأتي رأيت في مفرقي شعرة بيضاء فأحسست بها وكأنها قنبله ستنفجر يوم ما في رأسي فتأتي على بقية جمالي وشبابي ، فما كان مني إلا أن حطمت السد الذي بيني وبين عواطف المرأه الحبيسة بداخلي وتركتها تجتاح جوارحي لتحركني ، فلا هم لي سوى أن ألحق بقطار عمري الذي يمضي بلا عوده .وقالت : كنت كالريشه التي يلقيها الهواء يمينا وشمالا حتى إذا وقعت في يد ذلك الرجل

أشعرني الخوف بداخلي أن هذا الرجل هو أخر الرجال على وجه الأرض فإن لم أغنم به ضاعت فرصتي ولن تبقى لي سوى وحشة وحدتي كان هذا الرجل ملء عيني وفكري وكان أملي وأحسست أنه أمان خوفي من ذلك المجهول الذي يتجهمني .............. أعطيته كل شيء عندي فليس شيء أهم من رضائه علي وأن أفوز بالقرب منه ، فكان له مالي واهتمامي وعطفي وحناني ، فلم أكن أتخيل أني سأكون ضحية حاجتي .... وخوفي وحماقتي توطدت علاقتنا وزاد طمعي فيه وطمعه في حتى إذا خاطبت غريزته غريزتي المتعطشه إستسلمت له واستسلم لي واستسلم كلينا لأمر الشيطان .......... قال ثم صرخت وارتمت على كتفي


وقالت : لكني بريئه ....... لكني بريئه


نهاية البداية

posted by نائح الطلح ٩:٤٧ م  
 
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Back to top

About me

  • نائح الطلح
  • مصـــــــر
My profile
-------------
--------
  • أمير العاشقين
  • حزمان
  • مش مقتنع
  • هو جعــاان
  • الجوهري
  • زهرة
  • حفار القبور
  • عايزة أتجوز
  • القطط العمياء
  • نقانق العقل
  • الفارس الأخير
  • بهية
  • خطوة عزيزة
  • سوسة المفروسة
  • بنت مصرية
  • بلو رووز
  • وشوشات
  • أحاسيس زجاجية
  • لو بطلنا نحلم نموت

  • Website Hit Tracking
    Who links to me?
    هيا تووت
    eXTReMe Tracker
    --------
    --------
    myprofile
    Name: نائح الطلح
    Home:
    About Me:
    See my complete profile


    previouspost
    المساء
    الغيرة
    بين قلبي و عقلي
    الـــدواء القـــــاتــل
    عراق الشقاق
    مصارع الثيران
    يا قلبها ... عذرا


    myarchives
    فبراير 2007
    مارس 2007


    mylinks
    TemplatePanic
    Blogger


    bloginfo
    This blog is powered by Blogger.
    Blog designed by TemplatePanic.